القبيلة الخارقة.. القبيلة البدائية.. القبيلة المظلومة 
الساعة 09:08 مساءً

 عند كل حادثة تثير الرأي العام يجري استدعاء القبيلة اليمنية أو التذمر من غيابها. فإذا سقطت الدولة تعالت التنديدات بغياب القبيلة وتقاعسها عن حماية الدولة! واذا ما اشتعلت الحرب في محافظة تسابقت التنديدات بغياب القبيلة وتاخرها عن حماية المدينة! وإذا اعتقل ناشط او تك الاعتداء على امرأة امتلأت الصحف وصفحات السوشيال ميديا بالبكائيات على تراخي القبيلة في حماية النساء وإطلاق الناشطين والمطالبة بالمرتبات وعودة الكهرباء حماية حقوق الإنسان! صحيح ان قبائل "طوق صنعاء" هي الضحية الأكبر لهذه المطالبات اللاعقلانية، لكنها تمتد أيضا الى قبائل "طوق عدن" وقبائل حضرموت وشبوه والمهرة. ان المُضمَر والمكبوت الذي يحرك هذه النظرة هو ان القبيلة كتلة من المحاربين الابديين، الموجودين ضمن كيان خارج الدولة. ورغم ان القبيلة هي التكوين الاقل استفادة من إمكانيات الدولة وعطاياها الا أن المتمدن/المثقف قد كلفها بمهمة القتال الدائم حفاظا على الدولة. هذه النظرة تنفي صفة المواطنة عن القبيلي وعن القبيلة. فبدلا من ان تحمي الدولة القبيلة تصبح القبيلة مطالبة بحماية الدولة. وبدلا من ان تحمي أجهزة الأمن والجيش كل المواطنين تصبح القبيلة مطالبة بحماية الجيش نفسه!! غني عن القول ان هذه المطالبات غالبا ما تصدر عن مدنيين ومثقفين وناشطين وسياسيين اما بعيدين عن حياة القبيلة او متعودين على استغلالها. لكن نفس هذا المدني/الناشط/السياسي/المثقف الذي يطالب القبيلة بلعب دور روبن هود وسوبرمان وابو زيد الهلالي مرة واحدة، هو نفسه الذي لا يكف عن تحقير القبيلة وشيطنة القبلي ونزع الصفة الانسانية عنه بسبب نفس الصفات التي من أجلها يطالب القبيلة بحماية الدولة والجمهورية والحقوق: الصفات المفترضة للقبيلة كوحدة قتالية، وللقبيلي كمقاتل ابدي. دعوتي أقول ان هذه نظرية عنصرية تمييزية وجاهلة. عانت القبيلة اليمنية مثل غيرها من عسف الدول المتعاقبة على اليمن عبر التاريخ. وكان التنكيل بالقبيله هو الحدث المتكرر في تاريخ القبائل. لم تسلم حتى أقوى القبائل اليمنية من تنكيل دولة الإمامة او من تنكيل النظام الماركسي في الجنوب او من تنكيل نظام صالح، او من تنكيل الدويلات التي تعاقبت على حكم اليمن بالسيف والقهر. صورة القبيلة القوية الخارجة على الدولة كانت صورة مزيفة فرضتها رغبة الدولة في استثمار القبائل قي معاركها. والحقيقة ان القبيلة اليمنية كانت قد ضعفت وتفتت تضامنها الداخلي بعد ثورة 1962 في مقابل صعود قوة وسطوة المشائخ. تحول المشايخ بدعم الدولة الى قوة قاهرة للقبيلة، وسقطت القبيلة تحت قهر ثلاثي: قهر الشيخ المدعوم بمال الدولة وسلاحها، وقهر الدولة، وقهر المدني/السياسي الذي ظل يروح للنظرة العنصرية التحقيرية للقبيلة والقبيلي. الخلاصة.. ان القبيلي مواطن يجب ان يتمتع بحماية الدولة لا أن يحميها. إن هموم القبيلي هي نفس هموم أي شخص آخر في مناطق الرعية او في المدن: الدخل، التعليم، الكهرباء، الامن، الصحة. أما الحديث المتكرر عن خضوع القبيلة أمام السلطة الجديدة فهو حديث جاهل بأبسط أسس النظام القبلي. القبيلة جماعة "تحكيمية". بمعنى أنها تلجأ للتحكيم (الحل الوسط) وتتجنب الصراع قدر الإمكان، بما في ذلك تجنب الصراع ضد القوى المستجدة ودراستها من أجل الوصول الى منطقة وسط للتعايش معها. نزع صفة الانسانية والمواطنة عن القبيلة مرض عنصري مستشر حتى في دراستنا وتحليلاتنا للمجتمع اليمنى. أي ظلم يقع على اليمني تدفعه القبيلة مضاعفا. تدفعه مرة في معانتهامن التبعاتالاقتصاديةوالإنسانيةمثل اي منطقةأخرى، وتدفعة مرة ثانية كمخزن للتجنيد القسري للمقاتلين، وكموضوع "استشراقي" مفضل عند المدني لالقاء كل اثامة وتحيزاته وعنصرياته على كاهل القبيلة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان