السلطة الشرعية ذات الترس الواحد .. (مأزق إمكانية التغيير)
الساعة 10:57 مساءً

عادة النظام - أي نظام سياسي أو اجتماعي أو ميكانيكي - يقوم على عدة ترابطات ذات علاقة مشتركة منسجمة فعل ونتيجة، أثر وتأثير لتشغيل النظام بكل جزئياته وتفاصيله ..

وهذه الارتباطات المعقدة والمتناهية تشبه نظام التروس في تغيير السرعات ونقل الحركة ..أو تروس تشغيل الآلة عبر المحرك بالارتباط مع أنظمة تكميلية أخرى .. وفي النظام السياسي تروس (الإدارة، المال، الأمن، الاستثمار، وحدة صناعة القرار، الاستقلال، السيادة والقضاء ونفاذ وفاعلية القانون )...الخ.

وأي عطل لأي ترس أو جزئية في منظومة التشغيل يجعلك قادر على تغيير الترس التالف وحده وإعادة تشغيل الآلة دون توقف (هادي هو الترس التالف )

في نظام الدولة الديمقراطية يعتبر رئيس الدولة أو أي منصب حكومي بمثابة ترس في آلة الدولة شديدة التعقيد ..يمكن تغييره واستمرار العمل بدونه ..

في الدولة ذات السلطة المركزة بيد واحدة كما هو حال وضع السلطة الشرعية بيد هادي فقط ..فقد تحولت الدولة إلى نظام الترس الواحد (هو الدولة.. هو النظام ..هو القرار ..هو المال .. هو الأمل ) وإذا توقف أو تعطل أو أزيح تعطلت آلة الدولة كلية ..

الحديث عن مجلس عسكري يحل محل الترس الواحد غير ممكن دون استحداث أو تعديل نظام العمل أولا والتحول من نظام الترس الواحد إلى نظام مؤسسي متكامل ومنسجم لايتعطل بفقدان أحد التروس الممكن تغييره لأي سبب .. مع النظر بعين الاعتبار إلى تعمد تأسيس جيوش منفصلة عن بعضها في البناء والهدف ..وليس جيشا واحدا ..

أكبر ما يواجه أي عملية إصلاحية انتقالية هو عدم القدرة على السيطرة على البنك المركزي والإيرادات وتنظيم وضمان تدفقها في شريان واحد وهو الذي سيمكن أي سلطة بديلة يفرضها الشعب وفريق من النخبة الحاكمة (عسكري أو مدني) بغرض الخروج من مأزق الموات السياسي والعسكري ..

هادي يدرك أن أي استقرار للنظام المؤسسي ووحدة الإدارة دون مهددات سيجعل الاستغناء عنه سهلا ويسيرا، وهو لا يريد ذلك. فكل أفعاله وقراراته تعزز الفوضى وصناعة الانقلابات على غرار (عمران عادت إلى أحضان الدولة )  ..

يكفي فقط مؤسسيا أن تنتظم صرف رواتب العسكرين والمدنيين لضمان حالة التغيير والاستغناء عنه ..

ولذلك تعمد عدم انتظام الرواتب ونقل البنك المركزي إلى عدن مع تفخيخها ميليشاويا وليس إلى حضرموت أو مأرب ..وجعل عدن مدينة غير مستقرة خارج سيطرة الدولة  ..

بمجرد التفكير بالتغيير الجاد - في ظل الوضع الحالي - سيخرج قطاع المال والإيرادات - مع غياب وحدة الإرادة والقرار - سيسقط تلقائيا بيد الميليشيات واللصوص ..وسيتوقف ضخ  المال ليفتح مجالا جديدا للاحتراب والصراع بعيدا عن مواجهة الحوثي المتماسك بسلطة مركزية صلبة ..

عدم صرف الرواتب يعني الدخول في تفكك وحرب أهلية في كل المناطق المحررة دون هدف ..

اشترك هادي ودول التحالف بإبقاء عدن خارج السيطرة لضمان عدم استقرار العمل المؤسسي أو تعافي الدولة . وتركها في دائرة الفوضى المصطنعة ..

إبقاء تعز أيضا تحت الحصار وسلخ الساحل والميناء عنها وابقاء المناطق الصناعية خارج سيطرة مؤسسات سلطات تعز  يعني تعمد إبقاء المحافظة بدون إيرادات كافية تغنيها عن دعم السلطة الشرعية ودول التحالف على السواء، وهو ما يعني عدم السماح لخلق خيارات بديلة لإعادة بناء الدولة ..

وقدرة تعز على إدارة نفسها بالاستقلال المالي من عائدات الميناء والأسماك وضرائب المناطق الصناعية يجعلها قادرة على إعادة بناء الدولة من مركز الجذب والنموذج والتماسك الداخلي وجذب رؤوس الأموال والاستثمار واستقبال النازحين وتأمين سبل الحياة للجميع ..

اليوم الصراع داخل تعز والصورة السيئة المنبعثة منها أحد أسبابه الحصار وتجفيف الإيرادات وتوسيع رقعة المجاعة والدفع بالجميع إلى الصراع من أجل البقاء ..

تغذية الجبهات فقط بالأكل والشرب بواقع الف ريال لكل مقاتل أو جندي تحتاج يوميا موازنة لا تقل عن 50 مليون ريال وسنويا ما يقارب المليار .

ولو اضيف إلى ذلك الوقود والذخيرة وموازنة تشغيل الإدارة سترتفع الموازنة شهريا إلى نصف مليار ريال بحدها الأدنى  ..

أما إضافة موازنة تشغيل الخدمات مثل الماء والكهرباء والنظافة والتعليم والصحة والمرافق الحكومية فتحتاج الى موازنة كبيرة ..

بما يعني ان تعز تحت الحصار المتعمد من جميع الأطراف (شرعية وتحالف وحوثيبن) تعيش بالبركة وصمود المقاتلين الأسطوري بالجهات يفوق التصور والخيال ..

وجهد الناس للحفاظ على تعز خالية من العبث الحوثي أو أحزمة التحالف وبقايا العفافيش يندرج ضمن هذا التحدي الذي جعل تعز غير قادرة على استيعاب عودة أهلها النازحين إليها بسبب شدة الاكتظاظ السكاني ..

تعز هي نواة الجمهورية ورمزية استمراريتها واستهداف تعز هو استهداف للجمهورية والوحدة اليمنية ..

وهي تعاقب لأجل ذلك وتركها قطاعا منفصلا غير قابل للحياة ..

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان