موجة الإلحاد الجديدة المشكلة والمواجهة.
الساعة 11:49 صباحاً

مقدمة للفهم.

الحق هو قول الله وكلماته، جعل الله وجود قوله وكلماته في كتاب وحيه المسطور "القرآن"، وكتاب كونه المنظور "الوجود الكوني والإنساني وقوانينهما"، وهما متلازمان، يشرح ويُكَمِّلُ ويُبَيٍّنُ كل منهما الأخر، ولا تناقض بينهما، فهما بيان وتِبْيَان لقوانينهما، ولا يناقضا العقل والمنطق والعلم، وهذه المنهجية والمُسَلَّمَةُ الإيمانية، تقوم على أن الله سبحانه هو الحق المطلق، فهو مطلق المعرفة، ولا يحده زمان ومكان، وهو القدوس الحي الذي لا يموت، ومن هنا اتسم كتاب وحيه بالقُدسية، والحق المطلق، والحاوي للزمان والمكان وعلومهما، حتى قيام الساعة، ولم يفرط الله فيه بشيئ، بينما الإنسان أياً كان مقامه، نسبي المعرفة، محدود بزمانه ومكانه، ومعارفه وأدواتها، وهو ميت قطعاً، وبموته ينتهي قوله وتنتهي كتبه، وينتهي بموته قوله ومعرفته وزمانه ومكانه.

 

صدمة العقل.

العقل الإنساني بما فيه المسلم، يعيش ثورة في المعرفة الإنسانية وتطورها، وكون الوعي والعقل العربي والمسلم، تكون بالمرويات وكُتبها، هاجراً وحي الله، لم يستطع التوفيق أو التوافق، بين مسلماته العقلية التراثية، وقوانين الوجود الكوني والإنساني ومعارفهما، فمسلماته التراثية الإيمانية، مصادمة لتطور قوانين وعلوم الزمان والمكان، فكان بين خيارين الإنكفاء على المرويات وعيش الماضي، أو التكذيب بها والإنزلاق نحو الإلحاد، وصدمة العقل العربي والمسلم أشبه بصدمة المؤمنين بالمرويات التي كتبها الأحبار والرهبان، عن التوراة والإنجيل، زمن الثورة الصناعية والمعرفية، والتي كانت (المرويات) تصادم ذلك، وتلك الصدمة أنتجت الفلسفة الإلحادية الجديدة.

 

تشخيص الخلل.

الملاحدة الجدد هم امتداد للتعريف القرآني، "الدهريين" " المجرمين" الذين ربطوا الوجود وسببه بالدهر، منكرين وجود إله خالق، كما يربطه ملاحدة اليوم بالطبيعة، وقد بين الله حجتهم بقوله: ﴿وَقَالُوا۟ مَا هِیَ إِلَّا حَیَاتُنَا ٱلدُّنۡیَا نَمُوتُ وَنَحۡیَا وَمَا یُهۡلِكُنَاۤ إِلَّا ٱلدَّهۡرُۚ وَمَا لَهُم بِذَ ٰ⁠لِكَ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ﴾ [الجاثية ٢٤].

إليوم أرى في هذه المواجهة بين دعاة الإيمان ودعاة الإلحاد الخير الكبير، كونها تسلط الضوء على أقوال ومرويات الناس المنسوبة للدين، وتَُبيّن مدى عدم قدرتها على محاججة ملاحدة اليوم، فملاحدة اليوم يستندون في جدالهم على علوم العصر ونظرياته وفلسفاته، بينما المؤمنون المدافعون عن الدين، يعتمدون في جدالهم على أقوال الناس المنسوبة للدين، والتي طواها الزمان والمكان، ولم تعد صالحة للعصر وعلومه ومعارفه وجداله، وقد بين الله لنا هذه المفارقة، في قصة وآية، فأما القصة في هذه المفارقة، فهي قصة "أهل الكهف" حينما أكتشفوا أن وجودهم ومعارفهم ومفهومهم الديني، تجاوزه الزمان والمكان وعلمه ومعارفه، بقوله سبحانه: ﴿نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَیۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡیَةٌ ءَامَنُوا۟ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَـٰهُمۡ هُدࣰى﴾ [الكهف ١٣] ﴿وَكَذَ ٰ⁠لِكَ أَعۡثَرۡنَا عَلَیۡهِمۡ لِیَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ وَعۡدَ ٱللَّهِ حَقࣱّ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ لَا رَیۡبَ فِیهَاۤ إِذۡ یَتَنَـٰزَعُونَ بَیۡنَهُمۡ أَمۡرَهُمۡۖ فَقَالُوا۟ ٱبۡنُوا۟ عَلَیۡهِم بُنۡیَـٰنࣰاۖ رَّبُّهُمۡ أَعۡلَمُ بِهِمۡۚ قَالَ ٱلَّذِینَ غَلَبُوا۟ عَلَىٰۤ أَمۡرِهِمۡ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَیۡهِم مَّسۡجِدࣰا﴾ [الكهف ٢١]

وغلب على مسار نومهم ويقظتهم تطور سنن الله الغالبة، السائرة نحو استقرار الأنباء، بقوله سبحانه: ﴿لِّكُلِّ نَبَإࣲ مُّسۡتَقَرࣱّۚ وَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنعام ٦٧]، ورؤية آيات الله في الوجود الكوني والإنساني، وأوضح سبحانه هذا المسار بقوله: ﴿سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ﴾ [فصلت ٥٣].

هذا المسار الكوني والإنساني ومستقر أحداثه، حدد الله سبحانه مسار أحداثه ومستقرها وبيانها وتبيانها، وكل قول خارج هذا السياق والمسار، لن يستطيع مواجهة ملاحدة اليوم بحججهم، التي تنطلق من هذا المسار وعلومه ومحدداته، ولهذا يكون صوت المجادلين من ملاحدة العصر أكثر ضجيجاً وعلواً من صوت المؤمنين، لأن المؤمنين المجادلين، توقفوا عند المرويات والمذاهب ودعاتها وأقوالها، وهي تمثل عصر رواتها ودعاتها، ولا تمثل عصر اليوم وعلومه.

وأما الآية في هذه المفارقة التي تكررت مرتان في سورتي البقرة ١٣٤، ١٤١، في قوله سبحانه: ﴿تِلۡكَ أُمَّةࣱ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ﴾ [البقرة ١٣٤]

آية عظيمة حسمت علاقة كل أمة بمن سبقها من الأمم، فكل قول وعمل لمن سبقنا من الأمم لسنا معنيين به، فلهم ما كسبوا بفهمهم وحي دينهم بزمانهم ومكانهم، ولنا ما كسبنا بفهمنا لوحي ديننا وزماننا ومكاننا، ولا نُسْأَلُ عن أعمالهم، وبالتالي فإن خلل جدال المؤمنين اليوم مع ملاحدة إليوم أساسه هذه المفارقة، التي لا مخرج لها غير إلتزام القول الحق، في المنهج الحق، الذي بيّنه الله، في كتاب وحيه الحق، فهو الحجة الدامغة والبالغة، على مجرمي، ومشركي، وكفار ،وملاحدة، كل زمان ومكان.

 

سبيل المواجهة.

منهجية وحي الله بيّنت كل محاجة تناولها الدهريين، والمجرمين -المصطلح القرآني للملحدين- والكفار، والمشركين، والمكذبين، والعاصين، وفندت حججهم وقولهم، بحجة الحق البالغة، فهي السبيل الوحيد لمواجهة الملحدين الجدد، وهم أحرار ليختاروا بين الإيمان والكفر ، فلا إكراه في الدين.

 

ختم القول لملاحدة اليوم.

يؤمنون بالطبيعة وموجوداتها، وكلها مشخصة، كما يقولون، ولا وجود للتجريد بها، فمن علّم الإنسا التجريد ولا وجود له في طبيعتهم؟

توضيح التشخيص والتجريد.

التشخيص هو رؤيتك لكل شيئ مشخص أمام ناضريك، والتجريد هو وصف ذهني وعقلي لما لا وجود له امام ناضريك، فأنت مثلاً ترى مشخصاً أمامك إنسان يصلي، فهذا هو المشخص، لكنك لا ترى الصلاة بذاتها مشخصة أمامك، فهذا هو التجريد.

 

خلاصة الخلاصة

١-موجة الإلحاد الجديدة تسربت من ثقوب مرويات الفقه المغلوط.

٢-حجة الله البالغة في مجادلة الملاحدة هي منهج كتاب وحي الله الحق.

د عبده سعيد المغلس

١٣- سبتمبر ٢٠٢٤ م

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان