وداعا صوت الثورة ولسان اليمن الجمهوري
الساعة 07:37 صباحاً

بعد ستة عقود من الحضور الثوري والأدبي والتأريخي، رحل المناضل الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح إلى رحاب الله ورحمته ورضوانه، محمولاً على أكتاف جبال اليمن التي ارتبط بها كارتباط الجنين بمشيمة أمه، وذاد عن ساكنيها بصوته وقلمه، كمحارب رُعيني حميري لا يقبل الدنيّة في أرضه وتاريخه وحضارته ورموزه الوطنية.

رحل النبع الوطني الذي ارتشف من معينه كل أحرار اليمن، منذ صبيحة ثورة 26 سبتمبر الخالدة، باعتباره عضوا مُلهما في تنظيم حركة الضباط الأحرار من المدنيين.

فكان المقالح الموقف الوطني المعبّر عن خلجات الجماهير السبتمبرية الثائرة، في فكره وشعره ونثره، وظل على موقفه الثوري طيلة حياته، وسيبقى هذا النبع جارٍ ينهل منه كل وطني يسعى لاستعادة مجده، وابتناء اليمن الجمهوري على منهج الفلسفة المقالحية الثورية.

لا شيء يُحزن الثائر الصادق والوطني المخلص لشعبه ووطنه وأمته، من أن يرى بأمّ عينيه المآل الذي وصل إليه حال الوطن بعد عودة الماضي الكهنوتي العنصري، بأبشع صوره، وهو الذي بذل عصارة فكره وقلمه وجهده من أجل طي هذا الماضي الأسود، وتجذير سوداويته في وعي الناس للحيلولة دون ردّته، لكنه عاد وعادت اليمن إلى زمن ما قبل المقالح!

الدكتور المقالح ليش شاعرا أو ناقدا فحسب، إنه أرشيف اليمن الكبير، أرّخ لكل أحرار اليمن الذين بذلوا دماءهم وأرواحهم في سبيل الحرية، فكان الإبن البار بأولئك الأحرار، والمؤرخ المؤتمن على نقل وقائع الكفاح الوطني، فمن كان سيعرف الثائر الشهيد أحمد الحورش لولا كتاب المقالح (أحمد الحورش: الشهيد المُربي)، ومن كان سيقرأ تاريخ الثورة اليمنية لولا كتاب المقالح (من الأنين إلى الثورة)، ومن كان سيعرف نضال فيلسوف الأحرار حسن الدُعيس لولا كتاب المقالح (حكيم الثورة حسن الدعيس) وغيرها الكثير من الكتب التأريخية للحركة الوطنية اليمنية؟!

إنّ الليل الذي عاد سينجلي يوماً يا أبانا الكبير ولسان جمهوريتنا السرمدية، لأن روحك لم تمت، بل توزّعت عنفوانا ثوريا على أربعين مليون يمني، ومُحال أن يظل هذا الليل جاثماً وأنت من بدّدته بصوتك وحرفك وحضورك الذي لا يغيب، حتى وإن طال بقاؤه، فـ "لنا مع الجدب العقيم محاولات واختبار، وغداً يكون الإنتصار" كما قلت لنا قبل رحيلك.

وداعاً دكتور عبدالعزيز، وداعاً لسان اليمن الجمهوري، وداعاً ثائر سبتمبر وإبنها الأمين والمؤتمن، وداعاً حفيد أقيال ذو رُعين، وداعاً أيها النهر الوطني الذي لن ينضب، ولن تعتري سواقيه الظمأ أو تجفّ مجاريه الوطنية عن الجريان إلى الأبد ويوم.

رحمك الله وأسكنك الفردوس الأعلى من الجنة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان