عيد الاضحى والحج الموقف والدلالة.
الساعة 11:21 صباحاً

يهل علينا عيد الاضحى المبارك الذي تحتفل به ملة المؤمنين بالرسالة الخاتمة لدين الإسلام الواحد، والذي ختم الله بها وأتم وأكمل، رسالاته ومِلَلِه السابقة، لدينه الإسلام، الذي أختاره الله لخليفته في الأرض "الإنسان"، ليكون منهجاً وهدىً وصراطاً للإنسان، في الدنيا والأخرة، ليحقق من خلالها الهدف من وجوده، بجعله خليفة الله في الأرض.

فيحقق الإنسان بهذا الدين العبادية، والاستخلاف، والشهادة على الناس، والتعارف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالرسالة الخاتم هي رسالة تامة مكتملة، كَلّف الله مهمة إبلاغها للناس والعالمين، رسوله ونبيه الخاتم محمد عليه الصلاة والسلام، وبَيّنها سبحانه، وفَصّلها وحدد محرماتها، وفَصّل تبيانها في كتابه، وحدد بها للإنسان علاقته بنفسه، وعلاقاته بالله، وعلاقته بأخيه الإنسان بتنوعه اللساني واللوني والديني، وعلاقته بالوجود الكوني خارج وعيه ومعرفته، ووضع سبحانه تشريعاته، وشعائره بمناسكها، وقيمه، ومعارفه، بوحي قوله الحق بكتابه الصادق القرآن، المحتوي لكلماته التي لا تنفذ في الوجود الكوني والإنساني، وتولى سبحانه جمعه وقراءنه وبيانه، وحوى بكلماته الزمان والمكان ومعارفهما، ليستوعب كل زمان ومكان، كي يرافق الإنسان نوراً وهداية، في مسيرته لتأدية مهمته في الوجود، حتى قيام الساعة، وجعله في متناول فهم واستيعاب عقول عباده، سواء كان عقل عالم رياضيات وذره، أو عقل فلاح يحرث الأرض، وهذا دليل اعجازه وصدق وحيه، وبهذا أقام دليل حجة تكليفه للناس كافة.

علينا اليوم أن نتوقف كمؤمنين مسلمين في يوم أكبر فرحتين وشعيرتين وفريضتين لهذا الدين، يوم التضحية، ويوم الحج الأكبر، ونسأل أنفسنا أين واجبنا ودورنا مع هذا الدين؟ وما هو واقع أمة المؤمنون حملة هذا الدين؟ وأين دور كتاب الله في حياتهم؟ فواقع المؤمنين بهذه اللحظة بمكانها مختلف بالكلية مع واقعهم خارجها في بلدانهم.

نعيش اليوم أعظم مناسبتين من فرائض ومناسك وشعائر دين الإسلام هما:

الأولى: الحج.

حيث نحج لأول بيت وضعه الله لعبادته على الأرض، في أرضها كان الهبوط وبداية العبادة، ونقيم صَلاتنا لله به، في مشهد يكتم الأنفاس، نرى المؤمنون من الحجاج قدموا من بلدان عدة، وألسنة مختلفة، وجنسيات عديدة، وألوان متعددة، يمارسون حجهم، بثوب واحد، يتحركون حركات واحدة، يقولون قولاً واحداً، يتجهون بصفوف متراصة متجاورة، لقبلة واحدة، ويدعون إله واحد، ويقرأون مصحف واحد، لا فرق بين غني وفقير، وزعيم وغفير، وأسود وأبيض، جمعتهم أخوة الإيمان وحدها، فلا جنس ولا عرق، ولا لون ولا مذهب، وحده الإنسان مع أخيه الإنسان، كل الناس يقفون معاً أمام رب الناس.

 

صورة رائعة تبرز جوهر وعظمة هذا الدين وحقيقته وروحه ودلالاته"الأخوةالإنسانية" وتبرز هنا دلالة الأخوة والوحدة في أرقى صورها، وعندما نقارن هذه اللحظة بما يحدث في أوطاننا وشعوبنا، نجدها صورة مغايرة تماماً، فهناك كراهية تشحن الأنفس، ومذهبية وعنصرية وعصبيات تقتل وتسفك الدماء، وغياب الإخوة والمحبة، ونهب للحقوق وتخلف، ونهب للأوطان والشعوب والثروات، أمة غالبية دولها منهارة، وشعوبها متناحرة ممزقة، أوطانها وثرواتها نهباً لكل طامع، وهنا نجد الحقيقة الصادمة، فما نمارسه في الحج هو دين الله الحق، المسطور في كتابه، والذي أنتج هذا المشهد الاخوي الواحد، بينما المشهد المغاير في دولنا وشعوبنا انتجه دين الفقه المغلوط، الذي استحوذ على الدين الحق، وأخرجه من مساره، الذي بَيّنه الله في كتابه، فأخرجنا من الحياة والدور والحضارة، فأي علاقة تجمع الموقفين ودلالاتهما غير نكبة انحراف الفقه المغلوط، الذي أخرج الأمة عن دين الله، لدين الناس، ومن قول الله لقول الناس، ومن الأخوة والمساواة، للتفاضل والعنصرية والعصبيات.

الثانية: تقديم فدية الأضاحي.

والتي تحمل دلالة نساها المؤمنون اليوم، فهي عبرة ونهج ومنهج حتى قيام الساعة، بيّن الله وفصّل موقفها ودلالاتها، في محكم تنزيله، فهي إيمان وتسليم مطلقين، من إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام، أب يرى أن يذبح ابنه الذي ليس له سواه -حينها-، فيُجهز نفسه وسكينه للذبح، وإبن يقبل الذبح بنفس راضية مطمئنة، ويسيرا معاً لاستكمال المهمة، أي موقف أقوى من هذا دلالة على الإيمان والتسليم، والقبول بتقديم الابن أضحية، موقف يقدم دلالة التضحية الحقة "الإيمان والتسليم".

تضحية تم فيها التضحية بكل ما يربط الإنسان من علاقات، وما يقيده من مصالح ومغانم، تضحية تلاشى فيها كل ما يربط الإنسان بالدنيا ومتاعها، وبقي فيها أمر واحد هو الطاعة والامتثال لله، فبهما خلاص الإنسان، هنا تتدخل عناية الله بالإنسان ومحبته له، لتبرهن على جزاء الطاعة والامتثال، ليفدي الإبن المطيع الطائع بذبح عظيم، ويقدم للأب الطائع لله البديل "الذبح العظيم"، تأكيداً بأن طاعة الله ووحيه هما خلاص الإنسان، وبديله عن الشقاء والضنك، فأين نحن اليوم من دلالة هذه التضحية التي نمارسها ونحتفي بها، هي اليوم دلالة طقوسية، خالية من دلالتها الحقيقية، فلم يعد للتضحية مكان في حياة الأمة المؤمنة، لا من أجل الدين، أو والقيم، أو التعايش، أو الكرامة، أو الأخوة، أو المحبة، وهذا دليل أخر لممارساتنا للفقه المغلوط، الذي غيّب عنا جوهر الدين الحق، وأعمى عيوننا بثقافة الكراهية والعنصرية والاستئثار، إدراكنا لمعنى وجوهر التضحية.

عيد اضحى مبارك للجميع. نسأل الله أن يعيده علينا وقد استعدنا ديننا من الاختطاف، وكتاب الله من الهجر، وتركنا سُبل الفقه المغلوط، لندرك الدلالة الحقيقية للتضحية والحج، لنعيش دين الله الحق ونمارس عباديتنا ودورنا في الاستخلاف ونمارس وحدة أخوة الإيمان، فهي منهج الله الذي ألف به قلوب المؤمنين.

د عبده سعيد المغلس

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان