شبابنا بين الإلحاد والإيمان
الساعة 02:16 مساءً

تابعت نقاشا ظريفا قبل فترة حول الإلحاد بين الشباب العربي.

الفكرة الرئيسية للنقاش كانت أن الإلحاد المنتشر بين الشباب اليوم "إلحاد سطحي"، لأن الملحدين لم يتعمقوا في الفلسفة والعلم حتى يبنوا إلحادهم على اساس متين!

ربط الإلحاد بالقراءات العلمية والفلسفية يحتاج الى تصحيح.

للإلحاد اسباب كثيرة من بينها "القراءة"، لكنها ليست السبب الوحيد. 

لكن على العكس من الفكرة الشائعة يرتبط الإلحاد بالقراءات الدينية (والتجربة الدينية) لا بالقراءات الفلسفية.

الإلحاد كان تيارا فرعيا بين الفلاسفة، وأغلب كبار الفلاسفة لم يعلنوا إلحادهم. كما كان الإلحاد اتجاها فرعيا بين العلماء.

الذي يدفع شباب اليوم الإلحاد ليس أفكار ماركس،وفريد وداروين، ولكنها أفكار بن تيمية والخميني وبن عثيمين وسيد قطب والسيستاني وغيرهم.

اما طريق الإلحاد فلا يبدأ بقراءة "اصل الأنواع" أو "رأس المال" ولكنه يبدأ بالصدمات الفكرية والأخلاقية التي يتلقاها الشباب،وهم يقرؤون البخاري والكليني والصارم المسلول ومعالم في الطريق وتوحيد الخالق...وغيرها.

إن نظرية التطور لا تدفع الشباب للإلحاد لأن الكثيرين تبنوها واحتفظوا بايمانهم. اقتنعوا بحقيقة التطور، لكن آمنوا أن الله أيضا وراء هذا التطور، وصار لدينا رجال دين مسلمون ومسيحيون ويهود يدافعون عنها وهم في قمة ايمانهم.

ما يدفع الشباب الإلحاد هو الجانب الخرافي واللاانساني الذي يقذفه الخطاب الديني السائد كل يوم من حكايات إبادة بني قريظة، إلى حكايات الفتح والغزو والنهب وسبي النساء، إلى المبالغات اللامنطقية في حكايات الإسراء والمعراج والجن والسحر والحمار المتكلم والصخور الناطقة.

ما يدفع شباب اليوم الإلحاد هو الخطاب الديني المتطرف الذي يحرم أو يتشكك في كل شيءإيجابي في الحياة من العلم إلى الحرية إلى الفن والديمقراطية والعلمانية والمساواة، بحيث يجد الشاب نفسه بين خيارين مرين: إما التدين والكراهية والعزلة، أو الإلحاد والانفتاح على الحياة.

..................................

الفكرة الثانية في نقد الإلحاد هي أن الشباب الملحدين لم يعرفوا "الدين الحقيقي"، كما تقدمه النصوص والاجتهادات المسيطرة، وانهم لو عرفوه لما ألحدوا . 

لكن الشباب يرفضون "الدين الحقيقي" لانهم يرونه غير انساني وغير مقنع، وحين يبحثون عن هذا الدين الحقيقي لا يرون اختلافا بينه وبين "الدين المزور" الذي دفعهم للإلحاد. 

والملحدون الشباب كانت لهم (تجارب دينية) فاشلة انتهت بهم إلى الإلحاد. فكل من أعرفهم من الملحدين كانوا متدينين سابقين!

 

المشكلة الكبيرة في العالم الاسلامي اليوم انك لا تستطيع التفريق بين "الخطاب المعتدل" و "الخطاب المتطرف". 

هذه حقيقة مرة. 

فحين قامت داعش بسبي واغتصاب اليزيديات دافعت الازهرية (سعاد صالح) عن مبدأ السبي والاغتصاب ، كما دافع عنه الوهابي صالح الفوزان.

وهذا يقودنا إلى اهم سبب لانتشار ظاهرة الإلحاد، وهو بالتأكيد ليس قراءة الكتب، وانما مرارة الواقع.

واقع توحش الممارسات الدينية وعجزها عن مواكبة التطورالإنساني هو السبب الاهم للالحاد العربي. 

ليست مصادفة مثلا أن الإلحاد تحول إلى ظاهرة بعد  صعود جماعات مثل (القاعدة، داعش، الحشد الشعبي، الحوثيين). وليست مصادفة أن عجز الخطاب الديني الرسمي عن مواجهة هذا التوحش دفع بظاهرة الإلحاد بين الشباب إلى مستويات غير مسبوقة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان