في غَلَبَةِ الطبع وقوةِ (العادة)!
الساعة 10:30 صباحاً

يتحول تراكم الخبرة في اللاوعي أو العقل الباطن مع الزمن والتكرار إلى قوة مسيطرة تتحكم في توجيه بعض سلوكياتنا دون مقاومةٍ أو (وعيٍ) أو ادراكٍ منا.
من الكثير الذي قرأته في هذا الموضوع سأحاول أن أقول القليل لتبسيط الأمر من خلال تجربةٍ شخصية.
إعْتدّْتُ في بلادي على قيادة مختلف أنواع السيارات لمعظم سنوات عمري، وذلك في أسوأ الطرق وأصعب الجبال وأردأ الأحوال المناخية، ولكن لم يحالفني الحظ هنا في المهجر بتجاوز إمتحان قيادة السيارة أكثر من مرة واحدة، وهذا في بلد يتمتع بواحدة من أفضل الطرق وأنظمة القيادة والسير في العالم،
 في المرات الثلاث التي قررت التقدم للاختبار مجدداً تكون هناك فترات متباعدة قد مضت بينها، ويكون هناك العديد من التغيرات قد استجد على قوانين قيادة السيارات فيكون سقوطي في الإمتحان محتماً.
فمن حيث أكون لا أدري أنني لم استوعب (التعليمات) الجديدة، أذهب إلى الإمتحان بما رسخ في ذهني من معلوماتِ ودروسِ التدريب الأولى.
في اغلب الامتحانات التي تقدمت إليها في إمتحاناتي الدراسية والعملية حتى العسير منها  لم يكن الأمر عسيراً البتة، بل كنت في أغلبها متفوقاً، لكن الامتحانات التي تقدمت إليها لقيادة السيارة في بريطانيا كانت شيئاً مختلفاً، فكل شيئ يظل يبدو أنه يسير على ما يرام طوال مراحل الاختبار حتى النهاية، ولكن في (النهاية) يقول لي المشرف على الامتحان "أنت من حيث قدرتك على القيادة سائق جيد، لكنك لم تنجح في تلبية متطلبات الاختبار".
من حسن الحظ أنهم دائما يقولون لك السبب، والسبب الغامض في حالتي كان ما يسمى بقوة (العادات السيئة) أو الـ (Bad habits) التي تنتج عن استمرار الشخص في استخدام السيارة لعقودٍ طويلة دون اتباع الارشادات الصحيحة لفهم مكوناتها وفحصها قبل الاستخدام والتأكد من سلامة وجاهزية كل شيئ فيها للاستخدام ناهيك عن طريق الاستخدام، وكان السبب عندي في المرة الأخيرة أنني نسيت تعديل المرآة الجانبية للسيارة كما ينبغي.
في كل مرحلة معينة من العمر يصعب على المرء التخلص من قوة عاداته السيئة في استعمال السيارة وفق قوانين القيادة الصارمة في الغرب ودول أخرى متقدمة خصوصاً إذا كان من ذلك النوع من الأشخاص أو أصحاب المهن الذهنية الذين يتعاملون مع شيئ وهم منشغلون في التفكير بشيئ آخر. 
تجاوز هذا (التحدي) ليس صعباً رغم دقة وتغير قواعد الاختبار، لكن المشكلة دائماً تكمن عندي (على الأقل) في طغيان الطبع واستعصائه على التطبع بدليل أن أفراد أسرتي الذين لم (يتعودا) على قيادة السيارة في اليمن، تجاوزوا امتحاناتها هنا بسهولة أكبر من أقرانهم الذين كانت لهم تجارب سابقة.
ربما لم أكن جاداً بما فيه الكفاية خصوصاً في مدينة مثل لندن حيث لا حاجة (قصوى) لامتلاك وقيادة سيارة إذ لا تبعد محطات المواصلات العامة عن معظم المنازل بأكثر من عشرات المترات، كما أن تكاليف وقود السيارات ورسوم المواقف توازي ميزانية أسرة، وهذا إن لم تكن هناك غرامات أخرى على بعض المخالفات.
لكن الحصول على رخصة قيادة مهم عند الشابات والشباب لدى التقدم لبعض المهن، حتى وإن لم تكن هناك حاجة لقيادة سيارة، فالرخصة في آخر الأمر ميزة ومهارة مكتسبة.
بالطبع لا أتحدث هنا عن (السواقة) كما لو كانت تكنولوجيا معقدة، بل أرمي إلى شيئ آخر قالت عنه العرب "الطبع غلب التطبع" و "لكل إمرئٍ من دهره ما تعوَّدا" وكيف يصبح الإنسان غالباً أسيراً لعاداته سيما إذا لم يجتهد في سبيل تغييرها إن كانت سلبية أو سيئة.
من عاداتي السلبية مثلاً ككل إنسان لا تخلو حياته من مثل هذه العادات أنني لا استطيع بعد طفرة الهواتف الذكية أن أنام بعيداً عن جوَّالي رغم التحذيرات المشددة من الآثار السيئة لهذا، ولا النهوض من فراشي قبل تناوله وتصفح رسائل ما قبل الاستيقاظ، والاطلاع على حالة الطقس وأهم عناوين كبريات الصحف.
كما أن من أسوأ عاداتي (الجميلة) أنني لا استطيع ارتشاف قهوتي بمتعة، ولا استساغة مذاقها بنشوة، إلاَّ بفنجاني الذي لا أستخدم غيره ولا يستخدمه أحد سواي، كما لو أنه فرشة أسنان خاصة أو موسى حلاقة لا يستخدمها إثنان.
من عاداتي التي تتناقض مع فكرة (التعوُّد) أنني لا أحب العودة إلى منزلي مثلاً من ذات الطريق التي سلكتها في الذهاب، إن كانت هناك طريق أخرى للإياب.
قوة العادة أحياناً ليست أمراً سيئاً لكنها في الغالب أمرٌ غير محمود، فهي لا تعني وفاء المرء لأشيائه وعلاقاته وخبرته بما حوله، بل هي في معظم الحالات (قيْدٌ) يحد من القدرة على الانطلاق والتجريب والبحث، وتحُوْل دون التكيف على الطارئ من أمور الحياة، والاستمتاع بتعدد الأفكار والرؤى والصور،  وتبيان اختلاف ألوان الطيف في كل شيئ.
لا أنسى في نهاية هذا المقال أنني نسيت تفاصيل طرفةً يمنيةً ذكيةً تصف قوة العادة بأنها (عادةٌ كريهة) لكنني أتذكر  حكمةً قديمةً أخرى تقول "خيرُ عادةٍ للمرء ألاَّ تكون لديه عادة"!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان