كيف ننسحب من عاداتنا السيئة؟
الساعة 08:03 صباحاً

لكًلٍ مِنَّا مكوناته الجينية المتخلقة عبر مئاتٍ، وربما آلاف السنين، ولَهُ عاداته المكتسبة من خلال التربية والبيئة الأسرية والمجتمعية والإنسانية عموماً.
من تلك الجينات ما هو إيجابيٌ، والآخر سلبي، ويظل كفاحنا طوال العمر هو في كيفية صنع التوازن بين ما يمكننا به كبح جماح متطلبات تحقيق الشعور بمعنى الذات من جهة، والتعامل عملياً مع معطيات (الواقع) من حولنا من ناحية أخرى.
عاش أغلبنا أشكالاً من الاعتياد على عاداتٍ لم تكن بالضرورة سلبيةً لكنها مع طول الوقت أصبحت إدماناً سلبياً يحتاج إلى إرادة وأحياناً إلى علاجٍ نفسي للتخلص منه.
سأضرب بصراحة مثالاً شخصياً بلا تردد أو خوفٍ من الكشف عن بعض نقاط ضعفي.
في وقتٍ مبكرٍ من حياتي وبسبب من ندرة الكتب، والخشية من تعذر الحصول على المزيد منها، اعتدت على التهام بعضها، قراءةً، لمرةٍ، واثنتين، وثلاتٍ أو ما يزيد لدرجة أنه ما إن يقع في يدي كتابٌ ذو معنى حتى أشبعه اطلاعاً، صباحاً ومساء، حد حفظ أغلب فصوله وحتى أبوابه لدرجة أنني حفظت عن ظهر قلب، عدا عن سور القرآن الكريم، آلافاً من الأحاديث النبوية الصحيحة، وما يزيد عن آلاف الأبيات من الشعر الجاهلي وقصائد المتنبي والمعري وآخرين، وقدراً من اللغة الإنجليزية، وبعض الفرنسية، قبل أن أصل إلى سن العشرين من عمري.
ما أدركته لاحقاً هو أنني صرت فأرَ كُتبٍ حيث لا أعيد غالباً كتاباً مُهماً استعرته إلى صاحبه إلّا نادراً، ولا أتمالك نفسي بعد ذلك عن سرقة كتابٍ من رف مكتبةٍ، حيث تمتد يدي بطريقةٍ تلقائية لالتقاطه، دون تحسُّبٍ لأي عواقب!
في مرحلةٍ تاليةٍ أدمنتُ بما لا يمكن فهمه عشقاً للمدن باختلاف مواقعها على البحار أو الأنهار أو الجبال والصحارى في اليمن وغيره، في شرق العالم وغربه، شماله وجنوبه.. المهم بالنسبة لي كان التسكع في شوارع تلك البقاع سيراً على الأقدام حتى التِّيه والضياع، متأملاً في نمط عمرانها وتخطيطها المديني، وفي أساليب عيش الناس فيها، واكتشاف التقليدي الحميم من أحيائها وبيوتها ووجبات مطاعمها ومميزات وجباتها الشعبية الخالصة.
بعض مغامراتي لاستكشاف كَنَهِ المكان بين الأرض والزمن كلَّفَني الكثير من الألم والتعب خصوصاً في بعض المناطق، حيث تختفي طرق العودة إلى حيث أتيت، إما بسبب الثلوج التي تمحوها، أو تراكم الرمال عليها بفعل حركة الرياح، أو تشابه العمران، وتعذر العثور على محطات لوسائل المواصلات، أو الحاجة إلى ما يسد الرمق من طعامٍ أو شراب، جراء الجوع والعطش، وأحياناً أي فتراتٍ لاحقة بسبب انقطاع خدمة الإنترنت لاستدل بها على مكاني وطريقة الخروج منه كما حدث لي في شتاء العام الماضي في إحدى الغابات بضواحي لندن قبل أن تسعفني سيدة إنجليزية لمَحْتُها بالوصول إلى أقرب مخرج، وقبل ذلك بسنوات عندما كاد وقود سيارتي أن ينفذ في صحراء حضرموت ولم ينقذني حينها سوى بدوي كان يقوم بتهريب السيارات الفارهة من الإمارات عبر الربع الخالي إلى مأرب!
أما كيف تخلصت من عاداتي السيئة تلك فكانت بسبب بيتٍ من شعر أبي ذؤيب الهذلي تأملته بتمعنٍ يقول:
"والنفـسُ راغـبـةٌ إذا رغّبتَـهـا
وإذا تُـرَدُّ إلـى قلـيـلٍ تـقنعُ".
أي أنه لا يمكنك أن تحيط بعلوم الزمان مهما فعلت سوى بما استعطت قراءته، ولا أن تذرع الأرض، بأكثر من أن تتأملها من شارعك أو نافذة منزلك، نظراً وتبصُّراً.
ما يعني في النهاية أن فهم (القليل) جيداً يمكنه أن يعطيك صورة عن (الكثير) كاملاً.
فتعداد الزوجات مثلاً لا يعني أنك تزوجت كل النساء، وكثرة المدن التي عرفت لا تدل على أنك احتويت العالم، ومجمل كل ما قرأت ليس أكثر من مجرد معرفته من الزاوية التي فهمت.
ينفق الكثير من الناس أعمارهم في سبيل جمع المزيد من المال، أملاً في الاستمتاع به في كِبرهم لكن جمع المال يتحول إلى إدمانٍ  يرافقهم بأمراضٍ شتى تكون السبب في وفاتهم دون الاستمتاع بما اكتسبوه.
ويدمن عديد من هواة السلطة والجاه وحب الظهور على البقاء في دائرة الضوء ولَفْتِ اهتمام الجمهور حتى من خلال افتعال الفضائح، وفي مقدمة هؤلاء بحسب بعض الدراسات السياسيون والفنانون.
في الغرب يعيدون تأهيل الزعماء الذين اعتادوا العيش في بهرج السلطة للعودة إلى حياتهم الطبيعية وذلك من خلال الرياضة والحياة الاجتماعية والذهاب إلى المكتبات، وإلى استئناف ما توقفوا عنه من أنشطة خاصة، وبهذا يستعيدون آدميتهم الأولى وفطرتهم النقية قدر الإمكان.
قصارى القول إن (الوعي) بالتفاقم السلبي للعادات السيئة لدينا هو المفتاح لحل أي مشكلة، وأن تجاهلها هو ما يجعلها تتمكن من السيطرة علينا لدرجة بغيضة.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان