الشيباني.. آخر عناقيد الضوء
الساعة 02:19 مساءً

"قل لي من شيخك أقل لك من تكون".. هذه مقولة لها ما يعززها في أوساط العلماء، ذلك أن الشيخ بمفهومه العلمي والتربوي ليس مجرد مدرس يترأس حلقة مريديه، فإذا ما انتهت حلقة الدرس هذه ذهب لحال سبيله.. إن الشيخ ليمثل لمريده منظومة متكاملة من القيم والأخلاق والعلم والسلوك، وتحدثنا بعض المصادر التي أرخت لطبقات العلماء والفقهاء في اليمن أنّ جماعة من علماء زبيد كانوا يحرصون على تربية وتقويم وتعليم نبهاء مريديهم أكثر من حرصهم مع أبنائهم وأن الأوساط العلمية إذا أكبرت عالما فلا يهمها البتة من يكون أبوه، ولكنها تقيم أعلى اعتبار لشيخه ومربيه، ومن معايير الفخر والاعتزاز عندهم أن فلان تربى على يد عشرة أو عشرين أو أقل من ذلك أو أكثر من علماء الإسلام وشيوخه.

تحضر هذه المقولة اليوم ونحن نودع الشيخ الجليل ناصر بن محمد الشيباني أحد علماء الإسلام وأحد فرسان المنابر وأخر مريدي عالم الجزيرة وخطيبها المفوه الشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمهما الله جميعا.

درس الشيباني لدى البيحاني في مسجد العسقلاني في مدينة عدن كما درس على يد جمع كبير من العلماء عندما كانت عدن تفيض علما وأدبا وفنا وتعايشا ومحبة، وقد لازم شيخه البيحاني الذي وجد فيه حرصا ومثابرة وذكاء فقربه منه وأفرد له مكانة خاصة بين طلابه ومريديه حتى عرف بينهم بـ(البيحاني الصغير). وقد عاش معه تقلب الأحوال ومعانات الفترة الأخيرة للشيخ البيحاني في مدينة عدن مما أفضى إلى خروجه سرا إلى مدينة تعز، حيث لحقه تلميذه المحب إلى هناك.

ومن المهم الإشارة إلى أن الشيباني كان يمتلك مخزونا زاخرا من ذكريات الشيخ البيحاني وطرفه ونوادره، ظهر ذلك في كثير من أحاديثه وملتقياته الخاصة والعامة، وقد أفاد غير مرة بأنه بصدد تدوين هذه المذاكرات، وغاية المأمول هنا أن يكون قد أتم ما بدأه.

والشيباني مثل شيخه فارس من فرسان الخطابة عرفته منابر عدن صدّاعا بالحق آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، مارس النقد السياسي منذ فترة مبكرة، وقد اعتقلته سلطات عدن عام 1969 وبقي في سجنه قرابة أربعة أعوام، ولعل ذيوعه وانتشاره كان في مدينة تعز حيث عين خطيبا لجامع السقا، ثم تنقل في عدد من المساجد وعمل في عدد من منابر الدعوة لما يزيد عن ثلاثين سنة، ثم عين وزيرا للأوقاف، ثم عضوا في مجلس الشورى.

ولد الشيباني عام 1945 في بلدة بني شيبه الغرب، وله عدد من المؤلفات الوعظية والفقهية وله قرابة ألفي حديث إذاعي، وإلى جانب ذلك كان يتعاطى الأدب شعرا ونثرا يظهر ذلك لعدد من خلصائه وجلسائه.

رحم الله الشيخ الشيباني آخر عناقيد الضوء في بستان شيخ الإسلام البيحاني.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان