كل خاف منك معلن
الساعة 09:05 مساءً

هناك تعريف  لابن  القيم للإخلاص  يرى فيه "أن يستوي  لديك  المدح والذم  "  لطالما  استوقفني هذا المفهوم  وانا أقرأ وأبحث  عن "الوجود المحض " أي الوجود المنبثق  من داخل  الذات لا من خارجها  إذ  يصير  كل ماهوخارجي امتدادا لهذا الوجود  المحض  وتجليا  له على نحو  ما .  اي أن نكف عن  تسول ذواتنا وحضورناووجودنامن خارجنا  ومن عيون الآخرين .وأن لا يظل  وجودنا مشروطا  باعترافهم وبطبيعة نظرتهم الينا  .  ومن هنا  بدات اتفهم معنى  أن الله لا يغير  ما  بقوم حتى  يغيروا ما بانفسهم  وتلحظ  هنا ذات  الاحالة الأولية  على الداخل في نشدان التغيير  لكل  ماهو خارجنا . 

وكما  أن الوجود  انبثاق  من داخل  النفس  على  نحو  حاسم نقف  9هنا ازاء   مفهومي  الظاهر  والباطن ، اذ يبدو كفاحنا  منصبا لإيجاد ذلك القدر من الاتساق  والتناغم بين ما نخفيه ونعلنه وهو  ما يوصلنا الى حال من السوية والصدق المفصح عن نفسه بتلقائية وبدون تقصد وبدون الحاجة الى تفتيش إذ "كل صدق يسأل عنه لا يعول عليه "بحسب   ابن عربي. 

وحين  نخفق في  ايجاد هذا  التناغم  والاتساق  يحدث التشوش والاضطراب ويحصل الإرتباك الذي يخلق ما يقابله على  صعيد  رؤية الآخرين لما نحن عليه  حيث يمكن  السقوط في حالات من التناقض والازدواجية والفصام المرضي والنفاق وسوى ذلك من الأدواء والتشوهات.

  مطلوب منا أن نكون نحن،  ولا شي أكثر،   وأن نعرف انفسنا قبل كل شي ، ومعرفة  الذات أول الطريق  لمعرفة الله.

إن مانراه فينا  هو الأهم لا ما يراه الآخرون  اذ في وسعنا أن نلون الصورة والتصور لديهم  دون أن  يعني ذلك أن ما يصلهم يمثل  حقيقتنا الفعلية   اتذكر  بيتا  في احياء علوم الدين يرد ضمن سياق الحديث  عن  السماع عند الصوفية  جاء  على  لسان جارية:    الى  متى  تتلون    غير  هذابك احسن  واتذكر  أني اشتغلت عليه في نص يستبطن ذلك المعنى العميق مازال في ذاكرتي منه شذرات       كل خاف منك معلن   "فإلام ٓ تتلون  غير هذا بك أحسن"    انت  ماتخفي  وتضمر   لست ماتبدي وتضهر    ….،    من عيون الناس تخشى  فتواري  كل  فحشا  وعن  الستار  تعشى  جاعلا اياه  أهون  وهو  نص كان العزيز  أمين حاميم قد شرع في تلحينه منذ زمن بعيد  ويبدو أنه مايزال مشروعا مؤجلا لديه.

ما أود أن اخلص اليه: هو  أننا حين نشتغل على  ذواتنا مجاهدة ومغالبة وتهذيبا وتشذيبا وعناية وتعهدا وتربية وتزكية ونشدانا للسوية نكف عن القلق من رأي الغير فينا ومن رؤيته لنا، لأننا نعرف من نكون، ولأن رؤيتنا لأنفسنا قد صارت واضحة الى حد  يكفي لكي يرانا الاخرون على ما نحن عليه بلا  رتوش ولا زوائد ولا مساحيق وهنا نكف عن بذل أية جهود مبالغ فيها لاستدعاء محبة الآخرين وإستلفاتهم واستثارة اعجابهم أو الاستغراق في تقديم أيةارضاءات مستحيلة مقابل نشدان الإعتراف منهم بأي مزية لنا أوفضل وهي حالة عبر  عنها الشاعر القديم  بقوله :  إذا رضيت  عني  كرام عشيرتي  فمازال  غضبانا  علي  لئامها  وهو  ما يعني مراعاتنا الوقوف في قلب المعنى  والقيمة وعيش المثال والحرص على أن نكون نحن  بصدق بحيث يرانا الناس بجلاء، حين  نكف عن  النظر  اليهم في رؤيتنا لأنفسنا، ولما نحن عليه. 

  الذات الحرة الغنية الممتلئة لا تحتاج لأن تتسول الآخرين الإعتراف أو المديح والإطراء، ولا تهتز لأي انتقاد، ولا تأسرها الشهرة الفقيرة وهي تغيب لنحضر  ولا تتهافت على الحضور الزائف الذي قد يعنى  منتهى الغياب.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان