المنظمات.. قصة الألم المنظم
الساعة 12:59 مساءً

ليس تجار السلاح وحدهم أمراء الحرب في هذا البلد المنكوب؛ فثمة كائنات طفيلية أخرى تتغذى على جثة الوطن في رابعة النهار، وتحت سمع وبصر الجميع، دون خوف من مساءلة، ودون وازع من ضمير، فقد أصبح المال ـ والمال وحده ـ ليس شيطان المدينة فحسب كما يقول الشاعر العراقي بدر شاكر السياب؛ وإنما أصبح إله العصر، تبرر في سبيل الحصول عليه كل الوسائل، وتفتح كل المعابر، وتباع كل القيم والمبادئ والأخلاق.

 

جل العاملين في منظمات الإغاثة ـ إن لم يكونوا كلهم ـ نموذج واضح لطفرة القبح التي تتسع يوما عن آخر برعاية أممية، تذبح الإنسانية من الوريد إلى الوريد تحت لافتة إنسانية مزيفة، تستثمر أوجاع الناس ومعاناتهم الممتدة، وتختزلها في مواد إعلانية رخيصة تكرّس المن والأذى، وتُسمع العالم جعجعة دون طحن، وفي نهاية المطاف تذهب أموال المانحين إلى جيوب هؤلاء المخادعين، ويبقى الناس في مأساتهم رفقاء العوز والمهانة والمسغبة.

وبنظرة فاحصة في أنشطة هذه المنظمات يدرك المتأمل حجم العبث المسكوت عنه، ويدرك عِظم ما يحصل عليه العابثون من أموال في مقابل حفنة دقيق أو ملعقة زيت، يضعونهما في يد فقير بائس، متبوعَين بالإذلال والامتهان ومصحوبين بالشتائم المغلفة واللمز الجارح.

لقد أصبح موظفو هذه المنظمات طبقة فارهة، أفرزها هذا الواقع البائس، يرضعون الثراء الفاحش من أثداء الحرب، ويطوفون بين الجياع المعسرين بسياراتهم الفارهة، ونظاراتهم الشمسية، وكروشهم المتهدلة، تعرفهم بخشن القول، وبسوء معاملتهم، وبتعاليهم المقرف، فإذا ما استُفسِروا عن شيء؛ كانت إجاباتهم نهرا وتوبيخا وسخرية واستهزاء، معتبرين أنفسهم طواويس الإرض وسلاطين الدنيا، وأنّى لمواطن غلبان تحاصره الفاقة والمتربة أن يجد قولا معروفا أو ردا حسنا عند أناس أبطرهم المال، وأذاب ضمائرهم رغد العيش وشره المكسب.

ويوما عن يوم يثبت هؤلاء أنهم إنما يعملون لإغاثة كروشهم المنتفخة، وإشباع نهمهم الشره، وما تلك المصادرات المتكررة لكثير من مواد الإغاثة المالية والعينية التي تصدر عنهم إلا دليل واضح على ذلك.

كما يثبتون تباعا تجردهم عن الإنسانية، وقد تواترت كثير من الوقائع الدالة على ذلك، حتى لقد ترسّخت قناعة لدى الكثيرين بضرورة أن تكتب الجهات التي وظفتهم على ظهر كل منهم عبارة (خالٍ من الرحمة) استلهاما لعبارة (خالٍ من الكحول) التي تُكتب على ظهر بعض المنتجات الدوائية، مع أن هذه العلب صنعت للنفع وأولئك للضرر المحض.

 

ويكفي أن نعلم أن أحد هؤلاء الأباطرة صرخ بملئ صوته في وجه مواطن استوقفه في الطريق، طالبا منه أن يوصله وطفله المريض على طريقه إلى المستشفى.. صرخ في وجه مواطن ملهوف، ولسان حاله يقول: لست خادمك، ولست أنت وطفلك الشقى أهلا للركوب في سيارتي الفارهة.. فلتذهبوا إلى الجحيم.. 

بعدها مضت السيارة الأنيقة تشق طريقها.. طريق الغرور والجحود.. وحين غابت عن الأنظار؛ التفت الرجل الكسير إلى طفله المريض ليجده قد فارق الحياة في وطن تقتله الحرب كما تقتله الإغاثة.

 

على أنّ عدد من أنشطة هؤلاء في دائرة الشبهة، وإلا فما معنى أن تقوم فرق منهم بزيارة الأسر إلى منازلها لجمع قاعدة بيانات كافية شافية حتى عن أخص الخصوصيات.. وبمقابل ماذا!؟ بمقابل قطعة صابون رديئة لا تصلح لتنظيف شيء.

يصدق في وضع هؤلاء قول بعضهم: "خلا لكِ الجو فبيضي واصفري" خاصة بعد أن تركت لهم الحكومة الحبل على الغارب رغم وفرة الوزارات وفائض البطالة.. وتلك فاجعة أخرى إن لم تكن أمممممم الفواااااااجع.

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان