الاعتداء على "الآثار" اعتداء على كرامة وتاريخ شعبنا
الساعة 02:26 مساءً

في التاسع من مايو 2003، اليوم الذي دخلت فيه طلائع القوات الأمريكية الغازية الى بغداد، لم تتجه الى وزارة الدفاع كونها العقل المدبر وقيادة القوات المسلحة، ولم تتجه أيضا الى وزارة المالية أو الى شركات النفط باعتبارها مراكز المال والثروة، انما اتجهت مباشرة الى المتحف الوطني العراقي، وبسطت سيطرتها بعد ذلك على باقي المتاحف والمراكز الاثارية المنتشرة في أرض الرافدين، لعلم القيادة الأمريكية بأهمية الآثار والأعيان الثقافية لأي شعب، فهي المفسرة للتاريخ من خلال شواهدها، وهي من تشكل هوية وثقافة أي أمه، فمن يريد التلاعب بهوية ووعي أي أمة، وهز واضعاف ثقتها في نفسها ومن ثم السيطرة عليها، عليه أولا كسر عمودها الفقري المتمثل في تراثها الروحي والثقافي، وهو ما أرادوا فعله الأمريكان مع الشعب العراقي، بأن فتحوا المجال للعابثين والمجرمين بتخريب الأعيان الثقافية وسرقة الاثار وتهريبها.

ماحدث في العراق الشقيق من تخريب وعبث وسرقات للآثار والموروث الثقافي، جرى ويجري في أغلب البلدان العربية، وبشكل خاص في البلدان التي تشهد صراعات مسلحة ومنها اليمن، اذ تتعرض كثير من الأعيان الثقافية في هذا البلد للتدمير والتخريب، سواء من خلال اتخاذها تحصينات ومواقع قتالية من قبل المتحاربين، أو من خلال العبث والسرقات والتهريب التي تتعرض لها الآثار، وتشهد كثير من المناطق اليمنية استهداف متنوع للآثار والمواقع الآثارية، ويتم ذلك بوعي ودون وعي احيانا ممن يقومون به، وسط عدم مبالاة من قبل المعنيين، ولعل ماتتعرض له (صهاريج عدن) المعتمدة لدى اليونسكو كواحدة من أهم آثار الحضارة الانسانية، يعكس المستوى الخطير الذي وصل اليه التخريب للآثار في اليمن، حيث تم العبث بهذا الموقع الفريد بالتكسير واستحداث مباني داخله وحواليه، دون أن تحرك الجهات الحكومية أو الأهلية أي ساكن أو تمنع العابثين، ناهيك عن باقي المواقع الاثرية في مختلف مناطق البلاد.

حضرموت التي تشكل مخزون غني بالآثار والأعيان الثقافية، فهي في وضع لايختلف عن باقي مناطق اليمن، ونتابع بين الحين والآخر منشورات عن الوضع المقلق الذي آلت اليه المعالم والمواقع الأثرية، وهناك من يدق باستمرار ناقوس الخطر لما تتعرض له الآثار من نهب أو تخريب، وما يؤسف له أكثر أن تكون جهات رسمية متورطة في بعض هذا الفعل، وهو ما يؤكده ازاحة وتكسير عدد من المباني الأثرية كما حدث مؤخرا مع مبنى "الباغ"، وقبله مع المنطقة الأثرية المسماه "القرية"، التي تم توزيعها من قبل الدولة أراض وأقيمت عليها المباني، دون الحفاظ على مساحة البحث والتنقيب في هذه المنطقة الواقعة في الشحر ايضا، والتي تضم آثار مهمة تعود لحضارات وأزمنة مختلفة، وما يحدث في الشحر مجرد صورة مصغرة لتخريب أكبر وأسوأ للآثار والاعيان الثقافية في حضرموت.

ان الحفاظ على الآثار والأعيان الثقافية في حضرموت وغيرها من مناطق البلاد، انما هو حفاظ على ارث الأمة وهويتها وموروثها الثقافي الذي يشكل وعيها، كما ان الاعتداء عليها بالاهمال او التخريب والسرقة، هي جريمة وانتهاك لكرامة هذه الأمة، وقد أوضحت اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح عام 1954، بأن الاضرار التي تلحق بممتلكات ثقافية يملكها أي شعب كان، تمس التراث الثقافي الذي تملكه الانسانية جميعها، لأن كل شعب يساهم بنصيبه في الثقافة العالمية، وبهذا فان التحالف العربي يتحمل مسئولية كبيرة،  للحفاظ على الاثار اليمنية طالما انه متدخلا ويخوض قتالا في هذه البلاد، والمسئولية الأكبر تتحملها الجهات اليمنية المسئولة في المناطق التي تقع تحت سيطرتها، ومن هذه الجهات السلطة المحلية في حضرموت، التي عليها سرعة التحرك لايقاف العبث والتخريب والسرقات التي تتعرض لها الآثار في هذه المنطقة، التي تعيش وضع أفضل من غيرها من حيث الصراعات المسلحة، وبالتالي فالامكانية أكبر لتوفير الحماية للأعيان الثقافية وللآثار فيها.
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان