سياحة سريعة في قطوف البردوني
الساعة 02:36 مساءً

المرء لا تشقيه إلا نفسُهُ
حاشى الحياة بأنها تشقيهِ

ويظن أن عدوه في غيرهِ
وعدوّهُ يمسي ويصبحُ فيهِ

توقفت عند هذه الحقيقة الحكيمة للأستاذ والشاعر عبدالله البردوني لفترة طويلة وخطر على بالي وقتها كل أؤلئك الأشخاص الذين أعرفهم، وأعرف الأحداث والظروف المدمرة التي تشاركوا في عيشها ولكن وفي وقت لاحق اختلفت استجاباتهم فالبعض منهم تجاوزها ووثب عليها، والبعض توقف عندها ليوجه أصابع الاتهام ويلوم كل من كان سبباً في ما مر به دون أن يتحرك شبراً أو يحاول المُضي.

وحين استمريت في تقليب صفحات كتاب “قطوف الحكمة من شعر البردوني”، والتي جمعها الأستاذ أمين الوائلي، لاحظت شدة تأكيد الأديب البردوني على مضمون الأبيات التي ذكرتها سلفاً ففي قصيدته (لا تسألي) قال:

وأشدُّ مما خفتُ منه تخوفي
وأشقُ من وعرِ الطريق كلالي

وأقضُّ من يأسي شعوري أنني
حيُّ الشهية ميّتُ الآمالِ

عند تأمُّلِ هذه الأبيات نرى الأستاذ البردوني يستخدمُ صيغة المبالغة مع “ياء الملكية” متصلة بأكثر المشاعر رعباً كالخوف، والكلل، واليأس.. وكرد غريزي ونتيجة لموجة المشاعر السلبية هذه يسلك الإنسان كل طريقٍ مؤدٍ للشقاء الذي ذكره شاعرنا في قصيدته “مدرسة الحياة” آنفة الذكر.

وفي سياق آخر، وفي قصيدتين أُخريين، يسردُ لنا الشاعر حقائق حِكَميةٍ أُخرى عن علاقتنا بصناعة “الطغاة” و”الجلادين” ففي قصيدته (نحن والحاكمون) يقول:

وإذعانُنا جرّأ المُفسدين
علينا وأغراهمُ المأثمُ

وفي ديوانه (مدينة الغد) وضح الشاعر مدى ارتباطنا التاريخي بخلق مآسينا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في قصيدة عنونها ب”نحنُ أعداؤنا” مختصراً في هذا العنوان كل الأسباب التي جرتنا إلى ما نحن فيه اليوم قائلاً:

لأنَّا رضِعنا حليبَ الخُنوع
تقمَّصَنا في صبانا الخضوع

فجُعنا ليكتظَ جلادُنا
ويطغى وننسى بأنَّا نجوع

وليس عِدانا وراء الحدود
ولكن عِدانا وراء الضلوع

وأخيراً، وهذا ما أُريد أن أختِمَ به ما كُتِبَ هنا، يقول البردوني في قصيدته (قصة من الماضي):

“أُواه ما أشقى ذكي القلب في الأرض الغبية”

لم يستمر شاعرنا في ملامةِ الجميع، ووضع الحق على أعتاقهم فلطالما كان هناك استثناءات بل والكثير منها، ولكن ما بيد ذكي القلب من حيلة في الأرض الغبية، أواه!

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان