اليمن.. حالة اقتصادية متفردة في زمن الحرب
الساعة 08:58 صباحاً

اليمن.. حالة اقتصادية متفردة في زمن الحرب

إفراط نقدي في عدن، وانكماش مالي في صنعاء

بقلم: عبدالعزيز عبدالله الشعيبي 

حالة اقتصادية غريبة يعيشها أبناء وطن واحد مابين تضخم في عدن ومناطق الشرعية، وانكماش مالي في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين نتيجة اختلاف السياسات في مسألة تداول العملات الورقية، فحكومة الشرعية تعمل على وضع سياسات تدميرية للعملة الوطنية عبر طبع نقود جديدة بدون غطاء في ظل توقف الإيرادات المركزية للدولة، بينما هناك تخبط ملحوظ في الأداء المالي والنقدي لحكومة الحوثيين في صنعاء لمحاولة تغطية العجز الحاصل في السيولة النقدية في مناطق سيطرتهم، ومنعهم للتداول بالعملة الجديدة المطبوعة مؤخرا والمتداولة في مناطق الشرعية، وبالرغم من مساهمة هذا الإجراء في الحفاظ على سعر العملة وعدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية في صنعاء مقارنة بعدن، إلا أنه سبب أزمة سيولة نقدية خانقة في مناطقهم.

كل المعالجات التي تسعى لها حكومة الحوثي في صنعاء هي عبارة عن اجتهادات وحلول ترقيعية لا تمت بصلة لأبجديات العمل الاقتصادي والمالي، وخطط السلامة المالية، وقد تكون أكثر إضراراً للسوق المحلية من طباعة الشرعية للعملة الجديدة، فنراهم تارة يسوّقون الريال الإلكتروني الوهمي، وحاليا يتدارسون إضافة صفر للعملات المعدنية فئة (خمسة وعشرة وعشرين)، وسينتج عنه تلاعب بأموال المواطنين وودائعهم ناهيك عن تراجع الملاءة المالية للبنوك، وهلع المودعين وسحب أموالهم، وبما يعرض تلك البنوك للانهيار. 

إن نقص السيولة النقدية يؤدي إلى تجميد النشاطات الاقتصادية وقد تتطور إلى حالة من الركود والكساد وهو ما يلمسه الجميع في مناطق سيطرة الحوثي، وهم يعلمون بأن إجراءاتهم المالية وفسادهم في استغلال موارد مؤسسات الدولة لها دور كبير في خلق المشكلة بجانب ماكينة الطباعة لدى الشرعية. 

كان حجم المتداول تحت سلطة مركزي صنعاء مبلغ (800 مليار) ريال، وواردات النفط تسدد نقداً منذ العام 2016 لدى البنك الزراعي، وإيرادات الضرائب والجمارك تورد نقداً بمليارات الريالات بشكل شهري للبنك المركزي ولكن ما جرى كان على النحو الآتي:

- توجيه معظم السيولة النقدية بشكل رئيسي للجبهات العسكرية وعمليات التحشيد، وفرض 25 مليار ريال شهرياً على البنك المركزي لصالح ما يسمى بالمجهود الحربي. 

- استغلال كل العائدات النقدية للتنسيق مع الصرافين في عمليات المضاربة في سوق العملة واستخدام فوارق الأسعار وتخزينها في بدرومات الكثير من قيادة ومشرفين الجماعة.

- فساد مالي متمثل في عمليات سحب السيولة النقدية من البنك الزراعي (كاك بنك) إلى بنك الأمل للتمويل الأصغر تحت مسمى فوائد على الحساب الجاري لبنك الأمل لدى كاك بنك وهو تصرف مخالف للقانون والأعراف المصرفية حيث الحسابات الجارية لا يعطى عنها أي فوائد، ونتج عن ذلك أن البنك الزراعي على وشك الإفلاس.  

- تداول نقدي مغلق في عمليات البيع والشراء في السوق السوداء والمتحكم بها قيادات ومشرفين داخل الجماعة.

 - إفراغ المؤسسات المستقلة مالياً وإدارياً من خزائنها المقدرة بمليارات الريالات مثل هيئة ومؤسسة التأمينات وشركة التبغ والكبريت ومؤسسة موانئ البحر الأحمر وشركة النفط والصناديق الحكومية ناهيك عن الجمعيات والمصانع والممتلكات الخاصة بالمواطنين. 

 - مصادرة إيرادات الزكاة والواجبات وأموال الأوقاف، وما يتم تحصيله من إيرادات السلطات المحلية للمحافظات الواقعة تحت سيطرتهم والتي تتجاوز مليار وسبعمائة مليون دولار سنوياً. 

 وبناء على المعطيات المشار إليها، وبدلا عن الحلول الترقيعية المقدمة لتغطية عجز السيولة، فيجب على حكومة الحوثي القيام بالمراجعة الذاتية وتقييم مستوى الأداء في القطاع المالي والنقدي كون الحلول التقليدية لتغطية عجز السيولة لا تؤتي ثمارها في ظل تلك المعطيات، ولأن سلطة صنعاء أوجدت نموذج مختلف عبر سياساتها الانكماشية الجائرة، وإهمال الدور الحقيقي للمنظومة المصرفية كونها الشريان الرئيسي للتدفق النقدي وخلق التوازن في السوق المحلية، ولذا فالواجب عليكم محاسبة منظومة الفساد في صنعاء وتقدير حجم السيولة المأخذوة لصالح المشاريع التي تدار خارج إطار المنظومة المصرفية والتوجه نحو استعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وتلك هي الخطوة الرئيسية والمهمة لتغطية عجز السيولة النقدية، وبقية الحلول تأتي تباعاً.
 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان