كان نيتشه يقول: لا أهاجم إلا ما كان مجلبةً للنصر، وإن لم يكن خصمي كذلك، أوجل المعركة معه؛ حتى تصير مجلبة للنصر " لا أظن الحوثي يفهم هذه الحكمة، وإلا لما واصل ورطته في مأرب حتى اللحظة، وقد بات مجندلا في كل شبر من صحاري مأرب وجبالها.
هذا ليس محارب شجاع؛ بل خصم مختل، إن ما يشعر به من جسارة هناك، هي جسارة غبية، مجازفة بلا حكمة. وبدلا من مكاشفته الصريحة لذاته، والتوقف عن المغالاة في تقدير قوته، بدلا من التصرف بشجاعة المحارب المهزوم، والتخلص من طموحه العبثي لاخضاع مأرب، يواصل الحوثي المقامرة بروحه على أسوار مدينة مأرب..وذلك هو أرقى تجليات المحارب الأحمق.
إنه أحمق، يواصل مهاجمة مدينة يصطف أبناءها كيوم المحشر لمواجهته، ومستعدين أن يذودوا عنها بالعصي والأحجار ويعضوا عليها بالنواجذ ولا أظنه ينجح في كسرهم، لماذا يستمر في مهاجمتهم إذًا، أليست هذه هي الحماقة، بلى.
هي حماقة إلا في حالة واحدة، إذا افترضنا أنه محارب محبط، تحيطه عار الهزيمة من أول يوم في المعركة وأقصى طموحه السعي للهلاك، التخلص من ذاته، النقمة من فشله، فهو الآن يحقق طموحه، حيث الهاوية مصيرة المؤكد والمفتوح منذ البداية.
لا أظن الحوثي ما يزال يعتقد أن بامكانه اسقاط مأرب؛ هو يريد أن يُسقِط شعور المهانة الذي ألحتقه مأرب به، يواصل المقامرة؛ ليس لكونه يأمل بامكانية النجاح ؛ بل لينفي أمام نفسه شعوره بالعجز عن اختراقها، أقصى أمنيته أن يُبقي المدينة تحت التهديد؛ كي يستديم وهم القوة في عقول أتباعه. أمام مدينة كان يتطلع أن يعود منها بمزيد من الإحساس بالقوة؛ فأورثته مذلة كبيرة.
مثل مراهق، شرير وأحمق، دخل في عراك مع شخص أكثر بطولة منه؛ دافعه في ذلك إثبات ذاته، وحين تعرض للتأديب، وأيقن بعجزة عن كسر خصمه، لم يعد بوسعه العودة مكسوفًا، وبات مضطرًا أن يريق ماء وجهه هناك حتى النهاية.
أظنه يتمنى الآن في سِره أن يعود لما قبل المعركة؛ كي لا يتورط بمعركة تعمِّق احساسه بالعجز؛ بأكثر مما تثبت قوته، معركة تعيد تعريفه بوزنه، وقد جردته من البجاحة والتضخم المبالغ به للذات.
لكأن مأرب وهي تقوِّض طموح الحوثي، لا تتفوق عليه في الحرب فحسب؛ بل تعلمه درسًا في معرفة الذات، تقول له: ما تزال يا حوثي مراهق، وعليك أن تتصالح مع حقيقتك هذه، مراهق في لحظة ما، انتابه شعور جارف بالقوة الخارقة، فيما هو أقل من ذلك الشعور الوهمي بمستويات كثيرة.
لقد كان هذا في بداية سنين مراهقته، لكنه ظل متشبثـا بوهمه"وهم القوة" الذي ساوره أول مرة، وما يزال معتقدا بقدرته ع تقويض الجميع كما فعل أول مرة_حين تسلل غفلة وطرد اليمنيين من عاصمتهم_ ما يزال أحمقًا، يتصرف بناءً ع ذلك الوهم حتى اللحظة، ويهاجم مأرب مدفوعا بذات الإحساس، إحساس الظفر بها، كما ظفر بالعاصمة من قبلها، مهما تغيرت الحقائق على الأرض.
أنت مراهق يا حوثي، وستظل مراهقًا للأبد، لأنك غير مؤهل للنضج مهما تعاقبت عليك السنون والتجارب، فالمراهقة هي طبيعية نفسية وطريقة عقلية في التصرف، وليست صفة متصلة بمرحلة عمرية..وأنت ولو بلغت من العمر عتيا، فكل سلوكياتك، في مأرب اليوم وما قبل مأرب، في إدراتك للسلم والحرب، تظل مراهقًا لا يعرف متى يكون عدم خوض الحرب شرف ومتى يكون الاستمرار في اطلاق النار هزيمة، تمامـا كهزيمتك ع أسوار مأرب، ومواصلتك التشبث بحماقتك هناك حتى النهاية.
الأكثر قراءةً
الأكثر تعليقاً
-
السعودية تُعدل شروط تأشيرة العمرة.. قيود جديدة على السفر الفردي
-
السعودية تُحدث نقلة نوعية: إقامة دائمة بدون كفيل وبمزايا استثنائية
-
مسؤول استخباراتي إسرائيلي يكشف عن عدد الصواريخ الباليستية التي تمتلكها إيران حاليا
-
منارات المساجد في صنعاء تتحول إلى منصات تجارية.. ما القصة؟
-
أسواق الصرافة تفاجئ الجميع بتغييرات كبيرة في أسعار الدولار والريال السعودي مقابل الريال اليمني..السعر الان
-
بعد عامين من البحث.. أبو بكر الشيباني يجد والده في مستشفى بالقاهرة ويكشف تفاصيل صادمة
-
مقارنة بين الصواريخ الإيرانية وصواريخ "حزب الله" و"حماس".. موقع عبري يكشف فوارق فظيعة ومرعبة