في ذاكرة الأمم محطات تظل حاضرة كأجراس لا يتوقف رنينها ، وكل ما تعمله هو أنها تعطل تفاعلات هذه الأمم مع متغيرات الزمن لتجاوز المحطة . يتوصل قادة إيران ، في طبعتهم الجديدة ، إلى أن اليمن ، باعتباره أصل العرب ، هو البلد الذي يستطيعون بإسقاطه في أيديهم أن يعيدوا الاعتبار لفارس عما ألحقه العرب بالامبراطورية الساسانية في معركة القادسية .. المحطة التي غيرت مجرى التاريخ ؛ جغرافياً من التخوم الشرقية لبلاد العرب حتى حدود الصين الشرقية .. أما حضارياً فقد أشعلت منارة البدء بحضارة اسلامية امتدت لقرون ، على الرغم من أنها لم تستطع أن تخمد النزعة القومية لقوميات ما وراء النهر وأكبرها فارس ، والتي ظلت تتشكل في أكثر من صورة من صور الصراع . سيقول البعض هذا لغو وفذلكة .. أقول هذا مكر التاريخ .. تتشكل حلقاته في الوعي الذي يرحل داخل الأمة وفي عمقها ، ولا يتغير بما يصيبها من تبدلات عبر الزمن . لعبت "فارس" ما بعد كسرى دورين متناقضين في تلك الحضارة الاسلامية الصاعدة ، الدور الإيجابي الذي أثراها بالعلوم والمعرفة من ناحية ، والدور السلبي الذي ظل ينخرها من الزاوية التي ظل فيها انكسار الأمة بانهيار الإمبراطورية الساسانية محركاً لانتقام على أكثر من صعيد وبأكثر من وجه من ناحية أخرى . صحيح أن جانبا ًمن الوعي هو انعكاس للواقع ، لكن الواقع هو الآخر يتشكل في جانب كبير منه بما يضخه هذا الوعي إلى الواقع المعاش من أفكار ، ومن مخزون تراثي ومعرفي ، وكبرياء ، وإذلال ، وانتصارات وانكسارات ، أي أن الوعي والواقع يتبادلان التأثير والتأثر في حركة جدلية لا تهدأ .. وتتشابك هذه الحركة الجدلية عند نقاط معينة ، ويتدخل المعنيون بالتاريخ لتسوية آلية عملها . عملية التسوية تلك ، هي مكر التاريخ الذي يبقي وعي الأمة حاضراً عند أهم محطاتها نصراً أو هزيمة ، صعوداً أو انهياراً . هذه المحطة أبقت فارس ، المضطرمة والمفعمة بالانتقام ، حاضرة في وعي أنظمة الحكم التي تلاحقت في إيران سواء كانت ملكية أو جمهورية ، علمانية أو ملالي ، سنة أو شيعة . لا أجد تفسيراً لهذا الإصرار على تدمير اليمن غير ذلك ، ولا قيمة لشهادة البعض عن "سلاح إيران" في معركة غزة الأخيرة ، إلا أنها مجرد غسيل سطحي لا ينفذ إلى العمق ، حيث تتجمع تراكمات لا يغسلها غير مغادرة هذه المحطة من التاريخ . تكمن المشكلة في الأنظمة التي توظف هذه التراكمات وليس في الأمة أو الشعب . ايران أمة جارة للعرب ، ولا بد أن تغادر هذه المحطة من تاريخ لا يمكن أن يستمر ، بمعطياته المنشئة للحواجز النفسية ، حاكماً لعلاقة الشعوب والأجيال المتلاحقة ببعضها على هذا النحو المضطرب وغير المستقر .
الأكثر قراءةً
الأكثر تعليقاً
-
إنهيار جنوني وغير مسبوق لأسعار الصرف مساء اليوم الجمعه في عدن..التحديث المسائي
-
كشف المستور: بريطانيا تُعيد فتح ملف اغتيال الرئيس الحمدي وتثير جدلاً واسعاً
-
نحو استعادة الشرعية: ميلاد تكتل سياسي جديد يعيد بناء الدولة
-
حادث لايصدق في صنعاء.. سيارة تعتلي أخرى وكأنها مشهد من فيلم خيالي
-
ناشطة يمنية تثير الجدل بدفاعها عن المثليين: خطوة جريئة نحو أوروبا
-
تحذير للمسافرين: هذا المطار هو الأكثر رعبا في العالم! (صور)
-
شاهد.. أب يطلب من أبنائه حضور عزيمة لأجل أحد أصدقائه.. وعندما ذهبوا كانت المفاجأة