فشل غير مبرر !
الساعة 02:12 مساءً

لعلّ التصريح الناري من قبل سلطات صنعاء، والذي اعترفت فيه بعجزها عن سداد نصف الراتب الذي كانت قد وعدت بصرفه في ما سبق هو أول اعتراف صريح بالفشل، على الرغم من حجم الإيرادات المهول؛ إذ تفيد المعطيات بأن إجمالي المتحصلات من "الضرائب" فقط خلال العام الماضي أكبر بكثير من المبلغ الخاص بمرتبات موظفي الدولة، في شمال الوطن وجنوبه، لهذا العام.

إن "الرؤية الوطنية" التي تتغنى بها حكومة صنعاء ومجلسها السياسي لا تختلف، هي الأخرى، عن قراراتهما -"الاقتصادية" شكلاً، السياسية مضموناً- التي دمّرت البلد وقضت على آمال بسطائه؛ ابتداء من قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية؛ ومروراً بقرارات رفع الضرائب والرسوم المختلفة بكيفية مجحفة؛ ثم قرار سحب العملات المطبوعة حديثاً؛ وانتهاء بقرارات تشكيل اللجان المختلفة لرد المظالم وتقصّي الحقائق، والتي يتم تكوينها بهدف اللعب بعامل الوقت، لا أقل ولا أكثر.

ألا يعرف من يطلق عليهم مجازاً "الخبراء الماليون والاقتصاديون" في سلطات صنعاء أن الأثر المالي للعملات المطبوعة يحدث بمجرد طباعتها ونزولها إلى الأسواق، وأن حكومة صنعاء هي سبب المضاعفات التي تلت عملية سحب العملة الجديدة وما ترتب على ذلك من "تآكل" للمدخرات واستنزاف للأرصدة المالية من العملات المحلية والأجنبية المتداولة في السوق، وسبب الخروقات المصرفية، التي تعدّ أحدَ مسببات التفاوت في أسعار الصرف بين المحافظات الشمالية والجنوبية، ما خلّف ارتفاعا جنونيا في عمولات التحويل بينها، إذ وصلت العمولة إلى ما يقارب 50% من إجمالي المبلغ المحول من المحافظات التي تسيطر عليها الشرعية إلى مناطق سيطرة المجلس السياسي، وليس العكس.

طالما أصدرت سلطات صنعاء قوانين تُجرّم بها التعامل بالعملات المطبوعة حديثاً بعد مهلة كانت قد منحتها للمواطن من أجل استبدال الجديد بالقديم، خلافاً للأعرف المالية والمصرفية في العالم، فإن من البديهي أن تعود العملات الجديدة التي تم سحبها إلى مناطق الشرعية ليتم استبدالها بالعملة الصعبة أو للحصول على سلع وخدمات... إلخ. وهذا الأمر أدى إلى ارتفاع أسعار الصرف بشكل جنوني، وساعد في تهريب الكثير منها الى خارج الوطن.

فبعد عملية سحب العملات المطبوعة حديثاً من الأسواق، والتي تمت بتوجيهات من حكومة صنعاء والبنك المركزي فيها، واللذين اتخذا قراراً "كارثياً" استعان فيه البنك بوسطاء من القطاع الخاص لتسيير العملية عبر حسابات حكومية خاصة، في حين قام البنك المركزي بصنعاء بشرعنة تداول العملات القديمة "المتلفة دفترياً"، والتي ساهم في إعادة تدويرها، متجاهلاً أن ضرر إجراء كهذا أكبر من الضّرر المترتب على طباعة العملة الجديدة "المطبوعة بصورة قانونية"، والتي تحجج بعدم قانونيتها.

ناقوس الخطر الاقتصادي يُدقّ والسقوط الاقتصادي بات وشيكاً.. ومن يرى من قيادات المجلس السياسي أن بقاء الموظف القاطن في المحافظات التي يهيمن عليها دون دخل سيكون حلاً واهمٌ، وتحديداً في ظل الفساد المالي والإداري الذي ينهش مرافق الدولة، وسط تغاضٍ رهيب وصمت مطبق من قبل الأجهزة الرقابية والأمنية والإعلامية. ورغم ذلك لم تتوقف "حكومة الأنقاض" عن تفريخ القوانين وتشكيل اللجان بغية إخفاء ما هو أعظم وأفظع، رغم علمها أن المواطن لا يحتاج إلى لجان لتقصي الحقائق، بقدر حاجته إلى التحرك الجاد لمواجهتها.

الخطر الأكبر يكمن في الفجوة التي ستُحدثها المتغيرات القائمة بين الطبقات كنتيجة حتمية للتفاوت المعيشي والمستوى الاقتصادي، ما سيترتب عليه ردم جزء كبير من الهوية اليمنية، لا سيما بعد أن يصبح السواد الأعظم من الناس إلى الفقر والخصاصة أقرب. فبعد استنزاف مدخراتهم سيلجأون إلى التملق بإعتبار التملق مصدراً للوجاهة والحماية، طلباً للمال، الذي مصدره الوجاهة والمكانة الاجتماعية، ليصبحوا جزءاً من منظومة مجتمعية "معطلة" كانت ترمق العيش ترميقاً، قبل أن تصبح لها علاقة بمراكز الغوغائية والنفوذ، التي ترى في الفقر ضرورة وتعمل على استغلال الفقراء لتحقيق مآربها. وبذلك سيتصدر الفقراء الصفوف الأمامية في وجه إخوانهم الفقراء ودفاعاً عن وجود الفقر بحكم الولاء المطلق لرموز الفساد.

جوقة الفساد في صنعاء لم، و لن تحاكي نظام الكون في اتساقه وتراتبه، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية.. فقد خرقت نظام المجتمع ولم تتغير كثيراً عن الدول العربية في القرون الوسطى، التي كانت تزاوج بين المال والسلطة بصورة مهينة لتضمن وجود أجيالٍ مكبلةٍ بقيود الحاجة، لا قرار لها ولا حقوق تقابل الواجبات المفروضة عليها، والأقرب إلى "الطاعة العمياء"، التي تقضي على القيمة الإنسانية ككل وتؤدي إلى تآكل طبقات المجتمع بسبب التفاوت الكبير بين مكوناته المختلفة...

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص

كاريكاتير

بدون عنوان