دودة القز تصنع ألياف الحرير من أوراق شجرة التوت ، غير أنها تقوم بإتلافه فور خروجها من شرنقة الألياف إذا لم يسارع المزارع إلى منعها من ذلك بوسائل مختلفة .
ما يقوم به كثير من البشر يشبه ذلك إلى حد كبير .
كم هي الأشياء الجميلة التي صنعها اليمنيون ثم أتلفوها .
سألني مراسل "اللوموند" الفرنسية عام ١٩٩٢ عن الحل ، وقد بدأت المشاكل تتسع وتتمدد على نحو كبير، مهددة منجز الوحدة بالخراب ، فتبدت أمامي حكاية دودة القز كمثال على ما قام به اليمنيون وما يتوجب عليهم القيام به،
قلت له :
أنظر إلى هذه الصورة التي ألتقطت لقيادات الشطرين يوم ٢٢ مايو ١٩٩٠، وأضف لها بعض الاسماء ممن لم يشاركوا في ذلك الحدث ، هؤلاء جميعاً عليهم مغادرة المسرح معززين مكرمين ، على أن يقام لهم نصب تذكاري باعتبار انهم أنجزوا مهمة تاريخية كبرى ، ويتركوا لجيل آخر أمر تدبير إدارة هذا المنجز .
سألني : هل أنشر هذا الكلام؟
قلت له : نعم انشره بالخط العريض .
صانع أي منجز سياسي أو إجتماعي لا يستطيع إدارته بشكل مستقل عن حاجة هذا المنجز إلى أن يتخلص من " غطرسة" هذا الصانع وأنانيته . لذلك رأينا كيف أن كل الثورات والتحولات الاجتماعية قد شهدت انحرافات هائلة عن مسارها لأسباب تتعلق بالجمع بين تحقيق المنجز وإدارته ، وكان أن آلت جميعها إلى متحف التاريخ .
وينطبق نفس الشيء فيما تحققه البشرية من منجزات في مجالات أخرى .
يعكف العلماء على انتاج عقار لمكافحة وباء ما ، ينجحون ، لكن غيرهم هو من يدير هذا العقار فيما بعد ، ونجاحه يتوقف على أسلوب إدارته .
يمضي مفكر ما في التأليف وتحقيق منجز فكري ، ويقوم الناشر والناقد والقارئ والباحث بدور حاسم في تخليد هذا المنجز . وهكذا .. كم هي النظريات الخالدة التي ظلت مطوية ومجهولة حتى جاء من يتولى تحقيقها ونشرها وبعثها كمنتج بشري خالد .
لم نصب بهذه الانكسارات إلا حينما جمعنا بين تحقيق المنجز وإدارته بصورة تجسدت فيه أنانية قتلت ديناميات المنجز وحولته إلى كومة من الاستحقاق لنخب تنفصل عن المجتمع ، وتفصل معها منجزها ، ليموت بحضنها وتموت معه .
الأكثر قراءةً
الأكثر تعليقاً
-
إنهيار جنوني وغير مسبوق لأسعار الصرف مساء اليوم الجمعه في عدن..التحديث المسائي
-
كشف المستور: بريطانيا تُعيد فتح ملف اغتيال الرئيس الحمدي وتثير جدلاً واسعاً
-
نحو استعادة الشرعية: ميلاد تكتل سياسي جديد يعيد بناء الدولة
-
حادث لايصدق في صنعاء.. سيارة تعتلي أخرى وكأنها مشهد من فيلم خيالي
-
ناشطة يمنية تثير الجدل بدفاعها عن المثليين: خطوة جريئة نحو أوروبا
-
تحذير للمسافرين: هذا المطار هو الأكثر رعبا في العالم! (صور)
-
شاهد.. أب يطلب من أبنائه حضور عزيمة لأجل أحد أصدقائه.. وعندما ذهبوا كانت المفاجأة